إن التحوط هو استراتيجية تداول شائعة يستخدمها بشكل متكرر منتجو النفط والغاز وشركات الطيران والمستهلكون الآخرون لسلع الطاقة لحماية أنفسهم من تقلبات السوق. خلال أوقات انخفاض أسعار النفط الخام، يستخدم منتجو النفط عادةً وسيلة تحوط قصيرة الأجل لتثبيت أسعار النفط إذا كانوا يعتقدون أنه من المرجح أن تنخفض الأسعار في المستقبل.
في العام الماضي، ومع وصول أسعار النفط والغاز إلى أعلى مستوياتها في عدة سنوات، فضل المنتجون التحوط، لتجنب خسارة أي زيادة في الأسعار إذا استمرت أسعار النفط الخام في الارتفاع.
لكن أسعار النفط والغاز تراجعت بشكل كبير منذ أن بلغت ذروتها في منتصف عام 2022، مما ترك المنتجين الذين كانوا يتحوطون عند الحد الأدنى معرضين لأسواق الطاقة شديدة التقلب.
بالعودة إلى نوفمبر / تشرين الثاني، أفاد بنك ستاندرد تشارترد (Standard Chartered) أن التحوط النفطي الأمريكي كان أقل من خُمس ذروة الربع الأول من عام 2020 عند 563 مليون برميل. قدم تجار السلع الآن تحديثًا وكشفوا أن المنتجين لا يزالون يظهرون القليل من الإقبال على هذا النوع من التحوط على الرغم من التقلبات الشديدة في أسعار النفط. كشف ستاندرد تشارترد (Standard Chartered) أنه لم يكن هناك انتعاش كبير في التحوط النفطي من قبل المنتجين الأمريكيين على مدى الأشهر الثلاثة الماضية حيث بلغ دفتر التحوط 363 مليون برميل في بداية مايو / أيار، وهذا أعلى بنسبة 1.5% فقط من تقديرات فبراير / شباط وأدنى مستوى خلال 30 ربعًا.
وفي الوقت نفسه، لا تزال نسب التحوط منخفضة حيث تبلغ 21.2% في 2023، و5.2% فقط في 2024. كان منتجو الغاز أكثر حذراً مع النسب المماثلة لإنتاج الغاز الطبيعي عند 43.2% لعام 2023 و22.5% لعام 2024، وهو أمر مفهوم تمامًا بالنظر إلى الانهيار الهائل في أسعار الغاز. أفاد الخبراء أن توزيع خيارات البيع لعام 2023 التي تم شراءها، والتي يحتفظ بها المنتجون تقع في نطاق 68-72 دولارًا أمريكيًا للبرميل، مما يشير إلى أن تأثيرات جاما – وهي مقياس لكيفية تغير معدل التغير في سعر الخيار مع التقلبات في السعر الأساسي – من المرجح أن تكثف الحركة المهمة التالية أعلى أو أقل من ذلك النطاق.
منذ حوالي شهر، أفاد ستاندرد تشارترد (Standard Chartered) أن التقلبات الشديدة التي تشهدها أسواق النفط ترجع إلى آثار التحوط من جاما، حيث تبيع البنوك النفط لإدارة جانبها من الخيارات عندما تنخفض الأسعار بسبب إضراب أسعار منتجي النفط في خيارات البيع وزيادة التقلبات. لقد تفاقم التأثير السلبي للسعر لأن الواجهة الرئيسية التي يضعها المنتج تحتل حاليًا نطاقًا سعريًا ضيقًا. في حين أن تأثيرات التحوط من جاما لا تؤدي إلى انخفاض السعر الأولي، فإنها تؤدي إلى فشل قصير المدى في السعر المستهدف الذي يتضخم أكثر من خلال إغلاق صفقات الشراء طويلة الأجل المرتبطة بالمضاربة الأقل التزامًا.
قوة الميزانية العامة هي التحوط الأفضل
يراهن المسؤولون التنفيذيون في قطاع النفط على أن أسعار النفط والغاز المرتفعة ستستمر مدعومة بأفضل أداء مالي منذ سنوات، مع نشاط تحوط أقل يعكس هذا التفاؤل.
كما أوضح بول تشينغ المحلل في سكوتيا بنك (Scotiabank) لبلومبيرغ أن أفضل وسيلة تحوط لشركات النفط والغاز هي الميزانية العامة القوية. حيث قال: “إن فرق الإدارة لديها تخوف من ضياع الفرص والتحوط في سوق متصاعد. حيث أنه مع ارتفاع الأسعار وقوة دفاتر الشركات عما كانت عليه منذ سنوات، يختار العديد من المنقّبين عدم المشاركة في نشاط التحوط المعتاد”.
وبالمثل، قال مايكل تران المحلل في آر بي سي كابيتال ماركتس (RBC Capital Markets) لبلومبيرغ: “إن الميزانيات العامة المحصنة للشركات وخفض أعباء الديون وتوقعات السوق الأكثر إيجابية خلال سنوات قد استنزفت برامج التحوط الخاصة بالمنتجين”.
بعض شركات النفط الكبرى واثقة جدًا من أن أسعار النفط المرتفعة ستستمر كذلك، لدرجة أنها تخلت تمامًا عن تحوطاتها.
لقد قامت شركة بايونير ناتشورال ريسورسز (Pioneer Natural Resources Co) – التي تعد أكبر منتج للنفط في بيرميان بسين في الولايا المتحدة – بإغلاق جميع تحوطاتها تقريبًا لعام 2022، وذلك في محاولة للاستفادة من أي ارتفاع في الأسعار، بينما كشفت شركة أنتيرو ريسورسز (Antero Resources Corp) المنتجة للصخر الزيتي أنها تسجل التحوط الأقل في تاريخها. وفي الوقت نفسه، فإن ديفون إنرجي كورب (Devon Energy Corp) متحوطة بنسبة 20% فقط، وهو أقل بكثير من نسبة التحوط المعتادة للشركة عند 50%.
من المثير للاهتمام أن بعض شركات النفط يتم تحفيزها من قبل المستثمرين الذين يبحثون عن المزيد من التعرض للسلع الأساسية.
فقد قال ريك منكريف الرئيس التنفيذي لشركة ديفون (Devon) لبلومبيرغ نيوز عندما سئل عن قرار تقليل التحوط: لقد طلب مستثمرينا ذلك بشكل كبير، لدينا ميزانية عامة أقوى مما كانت في أي وقت مضى، ولدينا المزيد والمزيد من المستثمرين الذين يرغبون في التعرض لأسعار السلع”.
لكن الخبراء يقولون الآن أن الاتجاه الحالي المتمثل في عدم التحوط من الإنتاج المستقبلي يمكن أن يكون له آثار كبيرة على منحنى السعر الآجل بطريقة جيدة.
هذا هو الحال لأن منتجي الطاقة يعملون كبائعين طبيعيين في العقود الآجلة قبل 12 إلى 18 شهرًا. وبدون هذه العقود، يكون التداول في الأشهر اللاحقة أقل من حيث السيولة والشيكات، مما يؤدي إلى مزيد من التقلبات وربما ارتفاعات أكبر في الأسعار. في المقابل، من المرجح أن تشجع أسعار النفط المرتفعة في المستقبل المنتجين على زيادة الاستثمار في مشاريع الحفر، وهو اتجاه تباطأ إلى حد كبير بفضل الانتقال إلى الطاقة النظيفة.
التحوط سيف ذو حدين
يهدف التحوط بشكل عام إلى الحماية من الانهيار المفاجئ في الأسعار. يتم إعداد العديد من تحوطات المنتجين عن طريق بيع خيار شراء أعلى من السعر في السوق، وهو ما يسمى بهيكل طوق ثلاثي الاتجاه (three-way collar structure). تميل هذه الخيارات إلى أن تكون وسيلة رخيصة نسبيًا للتحوط من تقلبات الأسعار طالما ظلت الأسعار مقيدة بالنطاق. في الواقع، الأطواق في الأساس تكون غير مكلفة.
من الناحية النظرية، يسمح التحوط للمنتجين بتثبيت سعر معين لنفطهم. إن أبسط طريقة للقيام بذلك هي بتحديد حد أدنى للسعر باستخدام خيار البيع ثم تعويض هذه التكلفة عن طريق بيع حد أعلى باستخدام خيار الشراء. لتقليص التكاليف بشكل أكبر، يمكن للمنتجين بيع ما يشار إليه عادة باسم الطبقة السفلية، وهو خيار بيع أقل بكثير من أسعار النفط الحالية. وهذه هي استراتيجية التحوط ثلاثية الاتجاهات.
تميل هذه الاستراتيجية إلى العمل بشكل جيد عندما تنحرف أسعار النفط. ومع ذلك، يمكنها ترك المتداولين مكشوفين عندما تنخفض الأسعار كثيرًا. في الواقع، لم تكن هذه الاستراتيجية محبذة خلال الانهيار الأخير للنفط في عام 2014 عندما انخفضت الأسعار إلى مستوى متدني للغاية، مما جعل منتجي النفط الصخري يسجلون خسائر فادحة.
لكن الخروج من مراكز التحوط قد يكون مكلفًا أيضًا.
في الواقع، خسر منتجو النفط الصخري في الولايات المتحدة عشرات المليارات بسبب خسائر التحوط في عام 2022، حيث خسرت إي أو جي ريسورسز (EOG Resources) 2.8 مليار دولار في ربع واحد، بينما دفعت هيس كورب (Hess Corp) وبايونير (Pioneer) حوالي 325 مليون دولار للخروج من مراكز التحوط الخاصة بهم.
0 تعليق