ما هي الشيوعية؟
الشيوعية هي أيديولوجية سياسية واقتصادية تُعارض الديمقراطية الليبرالية والرأسمالية، وتدعو بدلاً من ذلك إلى نظام لا طبقي تكون فيه وسائل الإنتاج مملوكة للجماعة والملكية الخاصة غير موجودة أو مقيدة بشدة.
ملخص لأهم النقاط:
- الشيوعية هي أيديولوجية اقتصادية تدعو إلى مجتمع لا طبقي تكون فيه جميع الممتلكات والثروات مملوكة للمجتمع، بدلاً من الأفراد.
- تم تطوير الأيديولوجية الشيوعية بواسطة كارل ماركس وفريدريك إنجلز وهي عكس الأيديولوجية الرأسمالية، التي تعتمد على الديمقراطية وإنتاج رأس المال لتشكيل المجتمع.
- ومن الأمثلة البارزة على الشيوعية الاتحاد السوفيتي والصين. في حين انهار الأول في عام 1991، قام الأخير بتغيير جذري لنظامه الاقتصادي بحيث يتضمن عناصر رأسمالية.
مفهوم الشيوعية
“الشيوعية” مصطلح شامل يشمل مجموعة من الأيديولوجيات. وقدم فيكتور دو هوباي ( Victor d’Hupay) الاستخدام الحديث للمصطلح، وهو أرستقراطي فرنسي عاش في القرن الثامن عشر ودعا إلى العيش في “كوميونات” (communes) يتم فيها تقاسم جميع الممتلكات، بحيث “يمكن للجميع الاستفادة من عمل الجميع”. بالكاد كانت الفكرة جديدة حتى في ذلك الوقت حيث أن سفر أعمال الرسل في الإصحاح الأول في الإنجيل يصف المجتمعات المسيحية في القرن الأول بأنها تمتلك ممتلكات مشتركة وفقًا لنظام يعرف باسم كوينونيا (koinonia)، والذي ألهم جماعات دينية لاحقة مثل “الحفارون” (Diggers) الإنجليز في القرن السابع عشر لرفض الملكية الخاصة.
البيان الشيوعي
بدأت الأيديولوجية الشيوعية الحديثة في التطور خلال الثورة الفرنسية، ونُشر كتابها الأساسي، “البيان الشيوعي” لكارل ماركس وفريدريك إنجلز، في عام 1848. ورفض هذا الكتيب المضمون المسيحي للفلسفات الشيوعية السابقة، واضعًا تحليلًا ماديًا وعلميًا -كما يدعي مؤيدوه- للتاريخ والمسار المستقبلي للمجتمع البشري. كتب ماركس وإنجلز: “إن تاريخ كل المجتمعات الموجودة حتى الآن هو تاريخ الصراعات الطبقية”.
قدم “البيان الشيوعي” الثورة الفرنسية كنقطة تحول تاريخية رئيسية، عندما قلبت “البرجوازية” – طبقة التجار التي كانت في طور تعزيز سيطرتها على “وسائل الإنتاج” – هيكل السلطة الإقطاعية ودخلت في العصر الحديث، العصر الرأسمالي. استبدلت تلك الثورة الصراع الطبقي في العصور الوسطى، الذي حرض النبلاء ضد الأقنان، بالصراع الحديث الذي حرض ملاك رأس المال، البرجوازية ضد “البروليتاريا”، الطبقة العاملة التي تبيع عملها مقابل الأجر.
في البيان الشيوعي وأعماله اللاحقة، دعا ماركس وإنجلز وأتباعهما (وتنبأوا بأنها حتمية تاريخيًا) لثورة بروليتارية عالمية، والتي من شأنها أن تبشر في البداية بعصر من الاشتراكية، ثم عصر الشيوعية. ستشير هذه المرحلة الأخيرة من التطور البشري إلى نهاية الصراع الطبقي وبالتالي نهاية التاريخ: حيث سيعيش جميع الناس في توازن اجتماعي، بدون تمايزات طبقية أو هياكل أسرية أو دين أو ملكية. وسوف “تذبل” الدولة أيضا. سيعمل الاقتصاد، كما يقول الشعار الماركسي الشعبي، “من كلٍ حسب قدرته، لكلٍ حسب احتياجاته”.
الإتحاد السوفيتي
لم يتم اختبار نظريات ماركس وإنجلز في العالم الحقيقي إلا بعد وفاتهما. في عام 1917، خلال الحرب العالمية الأولى، أطاحت انتفاضة في روسيا بالقيصر وأثارت حربًا أهلية شهدت في النهاية وصول مجموعة من الماركسيين الراديكاليين بقيادة فلاديمير لينين إلى السلطة في عام 1922. وأسس البلاشفة، كما كانت تسمى هذه المجموعة، الاتحاد السوفيتي على الأراضي الروسية الإمبراطورية السابقة وحاولوا تطبيق النظرية الشيوعية.
قبل الثورة البلشفية، طور لينين نظرية الطليعية الماركسية، والتي جادلت بضرورية وجود مجموعة مترابطة من النخب المستنيرة سياسيًا للدخول في المراحل العليا من التطور الاقتصادي والسياسي: الاشتراكية وبعدها الشيوعية. توفي لينين بعد فترة وجيزة من انتهاء الحرب الأهلية، لكن “دكتاتورية البروليتاريا” بقيادة خليفته جوزيف ستالين، قامت بعمليات تطهير عرقي وتطهير إيديولوجي وكذلك التنظيم الجماعي القسري للقطاع الزراعي. حيث مات عشرات الملايين خلال حكم ستالين، من عام 1922 إلى عام 1952، بالإضافة إلى عشرات الملايين الذين ماتوا نتيجة الحرب مع ألمانيا النازية.
وبدلاً من التلاشي، أصبحت الدولة السوفيتية مؤسسة قوية من حزب واحد تحظر المعارضة واحتلت المواقع القيادية ( Commanding Heights) في الاقتصاد. وخضعت الزراعة والنظام المصرفي والإنتاج الصناعي لنظام الحصص وضوابط الأسعار الموضوعة في سلسلة من الخطط الخمسية. مكّن نظام التخطيط المركزي هذا من التصنيع السريع، وفي الفترة من 1950 إلى 1965، تجاوز النمو في الناتج المحلي الإجمالي السوفيتي معدل نمو الولايات المتحدة. بشكل عام، نما الاقتصاد السوفييتي بوتيرة أبطأ بكثير من نظرائه الرأسماليين الديمقراطيين.
وشكل ضعف الإنفاق الاستهلاكي عبئًا خاصًا على النمو. أدى تركيز المخططين المركزيين على الصناعة الثقيلة إلى نقص مزمن في إنتاج السلع الاستهلاكية، وكانت الطوابير الطويلة في متاجر البقالة التي تفتقر إلى المخزون من ركائز الحياة السوفيتية حتى خلال فترات الازدهار النسبي. وانتشرت الأسواق السوداء – التي أطلق عليها بعض الأكاديميين اسم “الاقتصاد الثاني” – التي تلبي الطلب على السجائر والشامبو والمشروبات الكحولية والسكر والحليب، وخاصة السلع الاعتبارية “برستيجية” مثل الجينز المهرَّب من الغرب. في حين أن هذه الشبكات كانت غير قانونية، إلا أنها كانت ضرورية لعمل الحزب: فقد خففت من النقص الذي لم يتطرق له الحزب و كان يهدد بإشعال ثورة بلشفية أخرى. ليقدموا لداعمي الحزب “البروبوغندا” كبش فداء للنقص؛ بحيث تُرجم النقص إلى أموال في جيوب البروبوغندا أو داعمي الحزب، الذين كانوا إما يحصلون على رواتب ليغضوا النظر أو يزدادوا ثراءً من إدارة عمليات السوق السوداء بأنفسهم.
انهار الاتحاد السوفياتي في عام 1991، بعد دفعة لإصلاح النظام الاقتصادي والسياسي وتوفير مساحة أكبر للمشاريع الخاصة وحرية التعبير. وهذه الحملات الإصلاحية، المعروفة باسم البيريسترويكا (perestroika) والغلاسنوست (glasnost)، على التوالي، لم تُوقف التدهور الاقتصادي الذي عانى منه الاتحاد السوفيتي في الثمانينيات، ومن المحتمل أنها عجلت بنهاية الدولة الشيوعية من خلال تخفيف قبضتها على مصادر المعارضة.
الصين الشيوعية
في عام 1949، بعد أكثر من 20 عامًا من الحرب مع الحزب القومي الصيني والإمبراطورية اليابانية، سيطر الحزب الشيوعي بقيادة ماو تسي تونغ على الصين ليشكل ثاني أكبر دولة ماركسية لينينية في العالم. تحالف ماو مع الاتحاد السوفيتي، لكن سياسات السوفييت المتمثلة في إزالة الستالينية و “التعايش السلمي” مع الغرب الرأسمالي أدت إلى انقسام دبلوماسي مع الصين في عام 1956.
كان حكم ماو في الصين يشبه حكم ستالين في عنفه وحرمانه وإصراره على النقاء الأيديولوجي. خلال القفزة العظيمة للأمام من 1958 إلى 1962، أمر الحزب الشيوعي سكان الريف بإنتاج كميات هائلة من الفولاذ في محاولة لإطلاق ثورة صناعية في الصين. أُجبرت العائلات على بناء أفران في الفناء الخلفي، حيث قاموا بصهر الخردة المعدنية والأدوات المنزلية إلى حديد خام منخفض الجودة يوفر فائدة محلية قليلة ولا يجذب أسواق التصدير. نظرًا لعدم توفر العمالة الريفية لحصاد المحاصيل، وأصرار ماو على تصدير الحبوب لإثبات نجاح سياساته، أصبح الغذاء نادرًا. وتسببت المجاعة الصينية الكبرى في مقتل 15 مليون شخص على الأقل وربما أكثر من 45 مليونًا. أدت الثورة الثقافية، وهي عملية تطهير أيديولوجي استمرت من عام 1966 حتى وفاة ماو في عام 1976، إلى مقتل ما لا يقل عن 400 ألف شخص آخر.
بعد وفاة ماو، قدم دنغ شياو بينغ سلسلة من إصلاحات السوق التي ظلت سارية في عهد خلفائه. وبدأت الولايات المتحدة تطبيع العلاقات مع الصين عندما زارها الرئيس نيكسون في عام 1972، قبل وفاة ماو. لا يزال الحزب الشيوعي الصيني في السلطة، ويرأس نظامًا رأسماليًا إلى حد كبير، لكن مع استمرار الشركات المملوكة للدولة في تشكيل جزء كبير من الاقتصاد. ولا زالت حرية التعبير مقيدة بشكل كبير. وتُحظر الانتخابات (باستثناء المستعمرة البريطانية السابقة هونغ كونغ، حيث يجب أن يوافق الحزب على المرشحين وتكون حقوق التصويت خاضعة لرقابة صارمة)؛ والمعارضة الهادفة للحزب غير مسموح بها بأي شكل من الأشكال.
“1991 انطبعت السنة بانهيار الاتحاد السوفيتي ونهاية الحرب الباردة بين تلك القوة والولايات المتحدة.”
الحرب الباردة
خرجت الولايات المتحدة من الحرب العالمية الثانية كأغنى دولة في العالم وأكثرها قوة عسكريًا. كديمقراطية ليبرالية هزمت لتوها الديكتاتوريات الفاشية في مسرحين، شعرت البلاد – إن لم يكن جميع سكانها – بشعور استثنائي ووجود دور تاريخي. وكذلك فعل الاتحاد السوفيتي، حليفه في الحرب ضد ألمانيا والدولة الماركسية الثورية الوحيدة في العالم. قسمت القوتان أوروبا على الفور إلى مناطق نفوذ سياسي واقتصادي: أطلق ونستون تشرشل على هذا الخط الفاصل “الستار الحديدي”.
انخرطت القوتان العظميان، اللتان تمتلكان أسلحة نووية بعد عام 1949، في مواجهة طويلة عُرفت باسم الحرب الباردة. بسبب مبدأ التدمير المتبادل المؤكد – الاعتقاد بأن الحرب بين القوتين ستؤدي إلى محرقة نووية – لم تحدث اشتباكات عسكرية مباشرة بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي، وكان الستار الحديدي هادئًا إلى حد كبير. بدلاً من ذلك، خاضوا حربًا عالمية بالوكالة، من خلال وضع أنظمة حكم موالية في دول ما بعد الاستعمار في إفريقيا وآسيا وأمريكا اللاتينية. وفي طور ذلك دعمت الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي انقلابات مختلفة لتثبيت مثل هذه الأنظمة في سدة الحكم في بلدان مختلفة.
كانت أزمة الصواريخ الكوبية عام 1962 أقرب ما وصلت إليه الولايات المتحدة في نزاع عسكري مباشر مع الاتحاد السوفيتي. حيث خاضت الولايات المتحدة حربًا ساخنة مطولة في فيتنام، حيث دعم جيشها القوات الفيتنامية الجنوبية التي تقاتل الجيش الفيتنامي الشمالي المدعوم من الصين والسوفيات والمقاتلين الشيوعيين الفيتناميين الجنوبيين. انسحبت الولايات المتحدة من الحرب وتوحدت فيتنام تحت الحكم الشيوعي في عام 1975.
انتهت الحرب الباردة بانهيار الاتحاد السوفيتي عام 1991.
نقطة مهمة: فشلت الشيوعية لأسباب عدة، منها قلة حافز الربح بين المواطنين، وفشل التخطيط المركزي، وتأثير استيلاء هذا العدد القليل من الناس على السلطة، ثم استغلوها وتلاعبوا بالنظام لمصالحهم الشخصية.
لماذا فشلت الشيوعية؟
بينما كانت هناك دراسة مكثفة لأسباب فشل الشيوعية، حدد الباحثون عاملين مشتركين ساهموا في زوالها.
الأول هو غياب الحوافز لدى المواطنين للإنتاج من أجل الربح. حيث أن حافز الربح يؤدي إلى المنافسة والابتكار في المجتمع. لكن المواطن المثالي في المجتمع الشيوعي كان مخلصًا بشكل غير أناني لقضايا المجتمع ونادرًا ما يتوقف للتفكير في رفاهيته. كتب ليو شوقي، الرئيس الثاني لجمهورية الصين الشعبية: “في جميع الأوقات وجميع الأسئلة يجب على عضو الحزب أن يولي الاعتبار الأول لمصالح الحزب ككل وأن يضعها في المقدمة ويضع الأمور والمصالح الشخصية في المرتبة الثانية”.
السبب الثاني لفشل الشيوعية هو عدم الكفاءة الكامنة في النظام، مثل التخطيط المركزي. يتطلب هذا الشكل من التخطيط تجميع وتوليف كميات هائلة من البيانات على مستويات متعددة. نظرًا لأن جميع المشاريع تم التخطيط لها مركزيًا، كان هذا الشكل من التخطيط معقدًا أيضًا. في عدة حالات، تم تزوير أو التلاعب في بيانات النمو من أجل جعل الحقائق تتناسب مع الإحصائيات المخطط لها وخلق وهم بالتقدم.
إن تركيز السلطة في أيدي قلة منتقاة أدى أيضًا إلى عدم الكفاءة، ومن المفارقات أنه قدم لهم حوافز للتلاعب بالنظام لصالحهم والاحتفاظ بقبضتهم على السلطة. أصبح الفساد والكسل من السمات المستوطنة لهذا النظام وكانت أنظمة الترصد والمراقبة مثل تلك التي ميزت مجتمعات ألمانيا الشرقية والسوفياتية، شائعة. كما أن ذلك أدى إلى تثبيط الكادحين والعمل الجاد. وكانت النتيجة النهائية انهيار الاقتصاد.