في ظل المنافسة المتزايدة بين القوى الاقتصادية العظمى في العالم، قال باحثون ومحللون أن الشركات الغربية يجب أن تتعلم من نجاح الصين بحجز موقع بارز في الأسواق الناشئة إذا أرادت أن تضاهي تأثيرها هناك.
على الرغم من أن النجاح كان متباينًا في بعض الأسواق، فقد أثبتت الشركات الصينية – لا سيما في قطاع التكنولوجيا – نجاحها في تكييف عملياتها لتتماشى مع أهداف التنمية للاقتصادات الناشئة، وفقًا لورقتين بحثيتين نشرتهما مؤسسة كارنيغي للسلام الدولي (Carnegie Endowment for International Peace) هذا العام.
قال الباحثون خلال منتدى حول أبحاثهم في وقت سابق من هذا الشهر، أن الدول الغربية ركزت بشكل أكبر على إبعاد الدول النامية عن التعاون مع الصين لأسباب أمنية، بدلاً من تقديم بدائل ذات مغزى وتنافسية.
تأتي نتائج الأبحاث في عام شهد دفعة جديدة من الدول الغربية لمواجهة نفوذ الصين في الأسواق الناشئة.
في يونيو / حزيران، كشفت مجموعة السبعة النقاب عن الشراكة من أجل البنية التحتية العالمية والاستثمار (Partnership for Global Infrastructure and Investment)، وهي خطة بنية تحتية بقيمة 600 مليار دولار أمريكي يُنظر إليها على نطاق واسع على أنها محاولة لمواجهة مبادرة الحزام والطريق الصينية.
أعقب الكشف عن الشراكة الجديدة مفاوضات بقيادة الولايات المتحدة بين 14 دولة في سبتمبر / أيلول لبدء الإطار الاقتصادي للمحيط الهندي والهادئ، الذي يعد الذراع الاقتصادي لاستراتيجية الرئيس الأمريكي جو بايدن في منطقة المحيط الهندي والهادئ.
يقول المحللون أنه على الرغم من المبادرات الأخيرة، لا يزال أمام الحكومات الغربية الكثير من العمل للحاق بالركب.
تقول تين حنان القاضي الباحثة في الاقتصاد السياسي والزميل المشارك في قسم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في تشاتام هاوس (Chatham House) بلندن أن الدول الغربية تحاول فرض هيمنتها بإمكانيات محدودة.
وتقول القاضي – صاحبة أحد الأبحاث التي نشرها مركز أبحاث كارنيغي (Carnegie) في أبريل / نيسان الماضي – أن الشركات الأمريكية والأوروبية لم تتمكن من مواكبة سعر أو جودة ما تقدمه الصين.
لا يقتصر الأمر على الشركات الصينية مثل هواوي (Huawei) التي توفر البنية التحتية الحيوية بأسعار تنافسية، بل تقوم أيضًا الشركات الصينية بتعديل ممارسات الأعمال لتناسب المعايير المحلية، بالإضافة إلى أنها تساعد البلدان في تحقيق أهداف الرقمنة والتنمية الخاصة بها.
وقالت القاضي أن الانتقادات السابقة بأن الشركات الصينية لا توظف ما يكفي من المواهب المحلية لم تعد صحيحة، حيث تحسنت ممارسات التوظيف بشكل كبير خلال العقد الماضي.
والأهم من ذلك، أن الشركات الصينية تعالج النقص في المهارات من خلال توفير تدريب عالي الجودة ومن خلال الشراكات مع الجامعات لتقديم ورش عمل للطلاب، وهو أمر تريده الأسواق الناشئة بشدة في سعيها لتسلق سلسلة القيمة.
وقالت القاضي في المنتدى: “يأتي الأوروبيون والأمريكيون حقًا بدون عرض، بدون تمويل للبنية التحتية وبدون تدريب وبدون أي نوع من برامج المنح الدراسية ذات مغزى، مقارنةً بما يقوم به الصينيون. [هم] بحاجة إلى تطوير لعبتهم وإلا فإنهم سيتخلفون عن الركب”.
إن النجاح الصيني ليس منعزلًا في شمال إفريقيا، بل هو واضح عبر بقية القارة أيضًا. فقد أظهرت الدراسات الحديثة التي تبحث في أعمال الاتصالات الصينية في نيجيريا والسنغال وجنوب إفريقيا مدى أهمية مشاركة الصينين في تسريع عمليات التدريب على المهارات في المنطقة.
يقول سيف الدين آدم، أستاذ الدراسات العالمية في جامعة دوشيشا بمدينة كيوتو اليابانية: “الحكومات الأفريقية أكثر ترحيبًا بالشركات الصينية بسبب استراتيجيتها “الموجهة نحو العملاء”، بما في ذلك ميلها إلى فهم الاحتياجات المحلية والاستجابة بسرعة لها. يذكر أن أبحاث آدم تشمل العلاقات الصينية الأفريقية والتنمية الأفريقية.
أما شامين براشانثام الأستاذ في كلية إدارة الأعمال الدولية الصينية الأوروبية في شنغهاي فيرى أن تاريخ الصين الحديث يساعد شركاتها على تلبية احتياجات الأسواق الناشئة بشكل أفضل.
وقال: “على عكس نظيراتها الغربية، لطالما تعاملت الشركات الصينية مع تحديات تتعلق بالبنية التحتية غير الملائمة سواء كانت بنية مادية أو رقمية، فضلاً عن القوة الشرائية المحدودة للمستهلكين”.
ومع ذلك، فإن نجاح الصين بتعزيز مكانتها في الأسواق الناشئة لا يأتي بدون محاذير.
فعلى الرغم من التحسينات الملحوظة في ممارسات التوظيف، تشير الدراسات إلى أن شركات مثل هواوي (Huawei) وزي تي إي (ZTE) تحد من نطاق المعرفة والتكنولوجيا التي ترغب في مشاركتها مع الجهات الفاعلة المحلية.
في عام 2021، أغلقت الحكومة الجزائرية مصنعًا شريكًا لهواوي (Huawei) بسبب الاشتباه في وجود “واردات مقنعة” به، وهي حالات يتم فيها تصنيع المنتجات في الصين ثم تجميع القطع النهائية فقط في الجزائر.
كانت هناك أيضًا حالات متكررة من الاحتجاج العام ضد مشاريع البنية التحتية الصينية في مختلف الأسواق في السنوات الأخيرة. وقد أظهر عدد من الدراسات أنه على الرغم من أن الحكومات قد ترغب في زيادة التعاون مع الصين، إلا أن مواطني الدول المعنية ليسوا دائمًا حريصين على ذلك.
وجدت دراسة استقصائية للرأي العام نشرتها أراب مونيتور (Arab Monitor) في يوليو / تموز أن المواطنين في جميع أنحاء منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا كانوا وبشكل ملحوظ غير راغبين في إقامة علاقات اقتصادية أقوى مع الصين مقارنة بالسنوات السابقة، حيث شهدت بعض الدول انخفاضًا في هذه الرغبة بنسبة وصلت إلى 20%.
في جنوب شرق آسيا، وجدت دراسة أجراها معهد يوسف إسحاق للدراسات الجنوب شرق آسيوية (ISEAS-Yusof Ishak) في سنغافورة في يونيو / حزيران الماضي أن المخاوف المحلية المحيطة بممارسات العمل غير القانونية والتدمير البيئي وعمليات الترحيل القسري لا تزال تعصف بمشاريع الحزام والطريق.
كما أن البلدان الواقعة في منطقة آسيا والمحيط الهادئ هي الأكثر عرضة لمخاطر التجاذبات السياسية بين الصين والغرب، في ظل استمرار المخاوف الأمنية المحيطة بالحدود البحرية والحشود العسكرية في بحر الصين الجنوبي.
ومع ذلك، في حين تميل الدول الغربية إلى اتباع نهج الحظر الشامل للشؤون الأمنية التي تشمل الصين، فمن المرجح أن تقوم دول آسيا والمحيط الهادئ “بتقسيم” القضايا المختلفة، حسب ما يرى بنجامين هيرسكوفيتش الزميل الباحث في كلية الأمن القومي بجامعة أستراليا الوطنية.
في ورقته البحثية التي نشرتها مؤسسة كارنيغي (Carnegie) في شهر يوليو / تموز والتي تبحث في ممارسات التوطين الصينية في إندونيسيا، وجد أن شركات التكنولوجيا الصينية قد أثبتت نفسها على أنها “شركاء موثوق بهم” – لا سيما في مجال الأمن السيبراني – الذي تواجه فيه إندونيسيا نقصًا حادًا في المواهب.
على الرغم من إدراك صانعي السياسة الإندونيسيين للمخاطر الأمنية التي تنطوي على ذلك، فإن “هذا لا يمنع حقًا التعاون المثمر وربما حتى الضروري مع الصين”، على حد قوله.
يقول هيرسكوفيتش: “يُنظر إلى [المخاطر] على أنها أقل أهمية من المهارات ومزايا التدريب التي يمكن اكتسابها من التعامل مع شركات التكنولوجيا الصينية”.
من “الشائع” لدول جنوب شرق آسيا تقييد المخاوف الأمنية لتعمق التعاون الاقتصادي مع الدول الأخرى، وفقًا لأميرزا آدي سيايليندرا، الزميل والباحث المشارك في مدرسة إس راجاراتنام للدراسات الدولية.
وأضاف: “إن الصين أحرص قليلاً على عدم تسليح الاستثمار الاقتصادي في دول جنوب شرق آسيا”. وأضاف أنه في إندونيسيا على وجه الخصوص، “هناك تصور عام بين النخب السياسية بأن التعامل مع الصين أسهل [من المنافسين الغربيين]”.
ومع تصاعد المنافسة على النفوذ الاقتصادي بين الصين والولايات المتحدة، يعتقد سيايليندرا أن الدول مستعدة “للتماشي مع الصين بشكل محدود” كـ “ورقة ضغط” لجذب المزيد من الاستثمارات من الغرب.
لكنه أضاف أنه على الرغم من أن دولًا مثل ماليزيا وإندونيسيا كبيرة بما يكفي لتتجنب التجاذبات بين القوى العظمى، فإن الدول الأصغر ليس لديها مثل هذه الرفاهية.
وقال: “يتعين على دول مثل لاوس إعطاء الأولوية للاستثمار الصيني لأنه ليس لديها خيار آخر”.
اقرأ أيضًا السعودية تبيع سندات وتخطط لإعادة شراء ديون بقيمة 15.5 مليار دولار
0 تعليق