بعد أكثر من عام على الجدل التجاري الذي هز مكانة مجلس الاحتياطي الفيدرالي في واشنطن وخارجها، ظهور أخطاء أخلاقية جديدة تعيق جهود البنك المركزي الأمريكي ورئيسه جيروم باول، التي كانت تهدف لتخطي الفضيحة الأولى.

خلال الأسابيع الأخيرة، أقر رئيس مجلس الاحتياطي الفيدرالي في أتلانتا رافائيل بوستيك أنه خلال السنوات القليلة الماضية انتهك عن غير قصد المعايير المعمول بها لتحديد النشاط الاستثماري المسموح به. وفي نفس الوقت، أثار رئيس الاحتياطي الفيدرالي في سانت لويس وهو جيمس بولارد جدلاً بسبب حديثه في مجالس خاصة أمام مجموعة من المصرفيين في 14 أكتوبر / تشرين الأول، مما أثار مخاوف المتخصصين الماليين من إمكانية حصول هؤلاء الأفراد على معلومات من الداخل حول مداولات البنك المركزي.

تظهر هذه الأحداث الأخيرة أنه رغم ما قام به الاحتياطي الفيدرالي من تشديد لمعاييره الأخلاقية، فإن عمله لم ينته بعد. لقد نال البنك المركزي الثناء لاعتماده برنامج أخلاقيات جديد قد يكون الأكثر صرامة في الحكومة الأمريكية، لكن البرنامج لم يتم تنفيذه بالكامل بعد. في الوقت نفسه، لم يتم الإفراج عن التحقيق الداخلي للمفتش العام والخاص بأنشطة التداول الإقليمية للاحتياطي الفيدرالي، كما أنه من غير الواضح متى سيتم ذلك.

يقول كاليب نايغارد الباحث في تاريخ الاحتياطي الفيدرالي في جامعة بنسلفانيا: “أعطي (الاحتياطي الفيدرالي) العلامة ايه (A) للتغييرات التي أجروها ولسرعة القيام بذلك ولنوع القيادة الأخلاقية من قبل باول في دعوة المفتش العام لإجراء التحقيق والالتزام بعدم المشاركة أو أن يؤثر على تقرير المفتش العام”.

وقال “لكن حتى يتم الانتهاء من ذلك بالكامل، لا أعتقد أنه يمكننا إعطائهم الدرجة النهائية على أدائهم”.

تشديد القواعد

في سبتمبر 2021، تم الكشف عن قيام روبرت كابلان وإريك روزنغرين – اللذين كانا آنذاك رئيسا بنكي الاحتياطي الفيدرالي في دالاس وبوسطن – بالتداول بنشاط في الأسواق المالية أثناء عملهما على وضع السياسة النقدية للاحتياطي الفيدرالي. تقاعد كل من كابلان وروزنغرين بشكل غير متوقع في ذلك الشهر. أما في بداية هذا العام، فقد استقال ريتشارد كلاريدا – الذي يعد الرجل الثاني في قيادة الاحتياطي الفيدرالي – في وقت مبكر بينما كان يواجه أيضًا تساؤلات بشأن أنشطته التجارية الخاصة.

قال محافظو البنوك المركزية الثلاثة السابقون أن أنشطتهم المالية تتماشى مع اللائحة الأخلاقية التي تحد من الوقت الذي يمكن فيه للمسؤولين التداول وحظر ملكية أسهم البنوك. وقد برأ تقرير أصدره المفتش العام في يوليو / تموز كلًا من كلاريدا وباول – اللذين تم التحقيق في أنشطتهما التجارية أيضًا – من ارتكاب أي مخالفات.

في أعقاب استقالة كلًا من محافظي دالاس وبوسطن، قام الاحتياطي الفيدرالي في فبراير / شباط بإضفاء الطابع الرسمي على قانون جديد يحظر مجموعة واسعة من ملكية الأوراق المالية لصانعي السياسات وكبار الموظفين وعائلاتهم. كما فرض قيودًا على الوقت الذي يمكن فيه لأولئك الملتزمين بالقانون تغيير أوضاعهم المالية.

وكجزء من هذا الجهد لتحسين الرقابة، قال متحدث باسم الاحتياطي الفيدرالي أن البنك المركزي ضاعف حتى الآن عدد الموظفين المشاركين في المراجعات الأخلاقية إلى ستة.

هناك إفصاحات عامة بشأن التحقيق متاحة لكبار الموظفين في البنوك الفيدرالية الإقليمية. ولكن في الوقت الحالي، لا تتوفر سوى الإفصاحات التي تخص رئيس الاحتياطي الفيدرالي وأعضاء مجلس المحافظين وكبار الموظفين ورؤساء البنوك الإقليمية. ونظرًا للطبيعة شبه الخاصة للبنوك الفيدرالية الإقليمية الإثني عشرة، لا توجد آلية رسمية لإجبار هذه المؤسسات على نشر هذه المعلومات.

يقدم النظام الجديد أيضًا إعفاءات في بعض المواقف، ولكن لا يزال من غير الواضح كيف ستتم إدارة هذه العملية. كان بعض خبراء الأخلاقيات المهنية قلقين من أنه إذا لم يتم الكشف عن هذه الإعفاءات علنًا، فقد يسمحون بتقويض القواعد الجديدة.

أقر بنك الاحتياطي الفيدرالي بتقديمه إعفاء في يونيو / حزيران إلى رئيس مجلس الاحتياطي الفيدرالي في ريتشموند توماس باركين. وقالت يوم الجمعة أن الإعفاء الذي طلبه باركين يتعلق بصناديق خاصة بعائلته، والتي يحتوي جزءًا منها على بعض أسهم الشركات المحظورة. أشار الاحتياطي الفيدرالي إلى أن باركين وعائلته المباشرة لا يمتلكون أو يديرون أو يستفيدون من الصناديق المعنية، وقد طلب الإعفاء فقط لأنه “مسؤول بشكل أساسي عن اتخاذ القرارات المتعلقة بتوزيع أصول الصناديق الائتمانية على المستفيدين من الصناديق”.

قال متحدث باسم مجلس الاحتياطي الفيدرالي “نحن مستمرون في مراجعة ممارسات الإفصاح لدينا” سواء الخاصة بمحافظي البنوك المركزية الخاضعين للسياسة الجديدة أو الخاصة بإصدار الإعفاءات العامة.

رفض متحدث باسم المفتش العام التابع للاحتياطي الفيدرالي الإعلان عن موعد إصدار التقرير الخاص بنشاط التداول الإقليمي للاحتياطي الفيدرالي أو ما إذا كانت أنشطة رفائيل بوستيك ستدرج في هذا التقرير أو ستكون محور تحقيق منفصل.

المراجعة الإقليمية

يأمل بعض مراقبي الاحتياطي الفيدرالي أنه بينما يمضي قدمًا في تشديد معاييره الأخلاقية، أن يلقي نظرة أكثر صرامة على البنوك الفيدرالية الإقليمية التي شهدت الممارسة غير الأخلاقية الأبرز.

واجه بنك الاحتياطي الفيدرالي بعض الانتقادات في العام الماضي بسبب فشله في تحديد نشاط التداول المالي الذي قام به رؤساء البنوك الإقليمية. تم إعادة ترشيح جميع رؤساء البنوك الفيدرالية الإقليمية للتو لفترات جديدة مدتها خمس سنوات في عملية قادها لايل برينارد ثم من خلال أحد محافظي الاحتياطي الفيدرالي والآن المسؤول الثاني في البنك المركزي.

لجنة الاحتياطي الفيدرالي التي تشرف على البنوك الإقليمية يرأسها الآن المحافظ كريستوفر والر. قضى والر الكثير من حياته المهنية في بنك الاحتياطي الفيدرالي في سانت لويس. ولذلك، قد يكون لديه نظرة ثاقبة أكثر حول كيفية عمل هذه المؤسسات.

قال بيتر كونتي براون الأستاذ في كلية وارتون بجامعة بنسلفانيا: “أعتقد أن (مجلس المحافظين) متساهل للغاية في إشرافه” على البنوك الفيدرالية الإقليمية. وأضاف أن نظام البنك المركزي المعقد “محرج”، لكن “هذا الحرج لا يمنح المجلس ترخيصًا لتجاهل مسؤولياته الرقابية”.

قد تكون إدارة قضايا الاتصالات على المستوى الإقليمي مشكلة أيضًا في أعقاب حديث بولارد المغلق الأخير للمصرفيين، والذي أكد بنك الاحتياطي الفيدرالي في سانت لويس أنه جاء وسط قائمة واسعة جدًا من التعليقات العامة. ربما كان ظهور بولارد يتجنب السلوك الذي تقول سياسة الاتصالات الرسمية للبنك المركزي أنه ينبغي تجنبه.

قال بنك الاحتياطي الفيدرالي في سانت لويس يوم 20 أكتوبر / تشرين الأول: “إننا نستمع إلى التعليقات بشأن هذا الأمر وسوف نفكر بشكل مختلف في هذا في المستقبل”.

اقرأ أيضًا الأول في الشرق الأوسط.. أمريكانا تستعد لطرح مزدوج في الرياض وأبو ظبي

المصدر: رويترز